منذ أن أنشئ تنظيم الإخوان المسلمون في مصر في ثلاثينيات القرن 20، لعب الإخوان أدواراً اجتماعية وتربوية شتى في العالم الإسلامي وبرزت صورة الإسلام السياسي بشكلها الحديث عبر هذا التنظيم الذي انظمّ إليه منذ البداية عدد كبير من رجال الفكر من أدباء وشعراء ، كما التحق بركبه عدد من الفنانين من روافد الفن المختلفة.
وكان لنشاطه الاجتماعي والخيري دور في استقطاب العديد من الطبقات في المجتمع المتعدّدة الانتماء والمنابع، ليصل الأمر بغير المسلمين إلى احترام سياسة هذا التنظيم وآلية تعامله مع المواطن، عبر قربه منه في توفير ما عجزت عن توفيره الحكومات التي استشرى فيها الفساد واتسعت بين أركانها المتهرئة المحسوبية بسبب عوامل كثيرة على رأسها غياب الحكم الرشيد وانتقال الحكم من المجتمع إلى العائلة.
ومنذ أواخر السبعينات أصبح في كل بلد عربي جناح من الإخوان لم تشذ عن قاعدة زحف الأفكار النيّرة هذه وكان للتيار الاخواني نصيب من قلوب الجزائريين، وانطلق التنظيم في الجزائر عبر البوابة التربوية ليتّسع وينتشر شاملا فئات عدة من المجتمع، أهمها الطبقة الوسطى المتكونة من المدرسين والطلبة والعديد من العمال. ومع موجة التغيير التي عرفتها الجزائربرز تنظيم الإخوان في الجزائر كتشكيل سياسي، وكانت له بعد التيار السلفي –الذي مثله حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ- مكانة سياسية كبيرة.
بعد نجاح حزب الجبهة الإسلامية واكتساحها للبرلمان الجزائري، وتصويت أغلب الجزائريين لصالح الحزب الإسلامي، انقلب الجيش بقيادة خالد نزار على إرادة الجزائريين وعرفت الجزائر خلال عشرية سوداء –كما هو معروف- منعطفا دمويا، جاءت على أنقاضه سياسات جديدة وتنظيمات انتهازية استغلت الوضع ونهم العسكر للسلطة، ووجدت لنفسها مكانا تحت قباب فاقدة للشرعية في البرلمان والحكومة وباقي القباب، وجاء تحالف حزبي مشكل من ثلاث تيارات لا تتفق إلا في استغلالها لثروات البلاد، وعلى رأس هذا التحالف حزب "حمس" الذي تآلف مع السلطة برغم حالات الفساد التي تعرفها دواليب الدولة.
وبعد ثورات الربيع العربي، وصل الإسلاميون إلى قمة هرم السلطة في كل من تونس وليبيا ومصر ثم في المغرب، فاستغل الحزب الاخواني في الجزائر المكانة الروحية القوية للأحزاب التي فازت في انتخابات البلدان السالفة الذكر ونسب لنفسه مرجعيته الدينية، وأعلن بعد فوز حركة النهضة في تونس والإخوان في مصر بأنه سيترك التحالف الـ"بلخادمي وأويحيوي" وسيفكر في الترشيح بمفرده في الانتخابات القادة، متناسيا هذه المرجعية حينما ترك لطبقة من العسكر الحرية في تحديد المسار السياسي للجزائر –بعد خلو الساحة السياسية من الممثل الحقيقي للشعب- ومستغفلا الشعب مرة أخرى باسم الدين هذه المرة.
دأبت تلك الجماعة في السنوات الأخيرة على مهاجمة المؤسسة العسكرية المصرية، ولا شك أنه لا يمكن لأي فصيل يعمل للمصلحة الوطنية أن يجعل من جيش بلاده خصمًا له يستهدفه بكل قول وفعل، وهو أمر يؤكد أن هجوم تلك الجماعة على الجيش المصري واتهامه بالأكاذيب والأباطيل إنما هو لأغراض خاصة لا علاقة لها بصالح الوطن وأمنه وسلامته ومستقبله، كما يؤكد أن ذلك الهجوم لا يستهدف الجيش المصري بذاته، بل الوطن ككل عبر استهداف المؤسسة الأكثر صلابة وقوة في مواجهة الأزمات والشدائد والتحديات التي تتعرض لها البلاد في الداخل والخارج.
بدأت الدولة المصرية تشريع القوانين اللازمة للحد من الظاهرة الإرهابية وتجفيف منابع تمويله خارجيًا وداخليًا ولعل أبرزها تشكيل لجنة حصر أموال تنظيم الإخوان التى نجحت ضمنيًا فى إعاقة التدفقات المالية لعناصر التنظيم من داخل مصر وخارجها، ووضعته أمام تحدى "كمون" لم يختبره قط منذ تأسيسه، ووصلت الدولة المصرية لتحقيق أكبر معدل عالمى فى انحسار عدد ضحايا الحوادث والعمليات الإرهابية بنسبة 90%.
تعليق